الأزمة المالية للسلطة إلى متى؟

الأزمة المالية للسلطة إلى متى؟
الثلاثاء 13 تشرين الثاني ( 28 ذو الحجة ) 2012 العدد 6115 
د. ماهر تيسير الطباع *
تمر السلطة الوطنية الفلسطينية منذ أكثر من أربعة أعوام بأزمة مالية خانقة نتيجة الأزمة المالية العالمية وقلة الدعم الخارجي من الدول المانحة، واشتدت الأزمة المالية في شهر أيلول من عام 2011 وذلك بعد إعلان السلطة الوطنية نيتها التوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بعضوية دولة فلسطين، فسارعت إسرائيل إلى عدم تحويل عوائد الضرائب الشهرية التي تجبيها لصالح السلطة والتي تقدر بما يزيد عن 100 مليون دولار، كما أوقفت الولايات المتحدة الاميركية المساعدات المالية التي تقدمها للسلطة ما أدي لحدوث أزمة مالية خانقة أثرت على كافة المناحي الاقتصادية وأحدثت إرباكا كبيرا في صرف الرواتب الخاصة بموظفي السلطة في الضفة وقطاع غزة.
واليوم وبعد إعلان السلطة نيتها التوجه مرة أخرى إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بعضوية دولة فلسطين للأمم المتحدة "بصفة دولة مراقب"، بدأت التهديدات الإسرائيلية تطلق من جديد تارة بحل السلطة وتارة بوقف تحويل عوائد الضرائب والجمارك الشهرية ووقف التعاون الاقتصادي، حيث ان إسرائيل تستخدم تلك الأموال لخدمة مصالحها وأجنداتها السياسية فأحيانا تسارع إلى حجز الأموال وأحينا تسارع إلى تحويل الأموال، ومن المتوقع أن تواجه السلطة أزمة مالية خانقة خلال الأشهر القادمة سوف تؤثر على كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
إن الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها السلطة الوطنية الفلسطينية، هي نتيجة لتراكمات سنين من عدم التخطيط ووضع الاستراتجيات والسياسات الملائمة لوضع السلطة كسلطة ناشئة يجب أن تعتني ببناء المؤسسات وتطوير ونمو الاقتصاد المحلى من خلال مشاريع مستدامة ودعم القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية وتحسين البيئة الاستثمارية ودعم المشاريع الصغيرة وفتح الأسواق العربية أمام المنتجات الفلسطينية، وفتح أسواق العمل العربية أمام العمالة الفلسطينية، لتأهيلها للتحول إلى دولة مستقلة تستطيع الاعتماد على ذاتها، فمنذ أن نشأت السلطة وهي تعتمد على المساعدات الخارجية الدولية والعربية في تغطية نفقاتها التشغيلية وسد العجز في الموازنة العامة، ويقدر الاحتياج الخارجي من الدعم بـ 1.3 مليار دولار في عام 2012، وأدى التراجع في الدعم الخارجي وعدم التزام العديد من الدول المانحة بوعودها المالية إلى أزمة مالية كبيرة، تسببت في تراكم ديون على السلطة الوطنية بمبلغ يزيد عن 1.6 مليار دولار للبنوك المحلية والقطاع الخاص الفلسطيني.
و أثرت الأزمة المالية على الوضع الاقتصادي وأدت إلى تراجع في معدلات نمو الاقتصاد والقطاعات الإنتاجية المختلفة في الضفة وقطاع غزة، نتيجة عدم إيفاء السلطة بالتزاماتها تجاه الموظفين والموردين، كما أثرت على كافة المشاريع التنموية التي تنفذها السلطة، ما ساهم في ارتفاع معدلات البطالة والفقر في الضفة وقطاع غزة، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية حوالي 232 ألف شخص في الأراضي الفلسطينية خلال الربع الثاني لعام 2012، منهم حوالي 127 ألفا في الضفة وحوالي 105 آلاف في قطاع غزة بمعدل 17.1% في الضفة مقابل 28.4% في قطاع غزة.
كما ساهمت الاتفاقيات التي وقعتها السلطة مع الجانب الإسرائيلي في تحجيم دور السلطة وعدم سيطرتها على المصادر الطبيعية والمعابر الحدودية وربطت الاقتصاد الفلسطيني الناشئ ذا النمو الضعيف بالاقتصاد الإسرائيلي القوي ذي النمو الكبير الذي اعتبره البنك الدولي من ضمن أفضل الاقتصادات في العالم، ما كان له الأثر الكبير في إضعاف وتدهور الاقتصاد الفلسطيني وحدوث فجوة كبيرة بين مستوى المعيشة لدى الطرفين حيث بلغ الحد الأدنى للأجور في إسرائيل 4300 شيقل شهريا، وهذا يوازي ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور في المناطق الفلسطينية والذي تم إقراره حديثا وبلغ 1450 شيقلا شهريا، وهو أقل من خط الفقر الوطني في فلسطين الذي يبلغ 2293 شيقلا شهريا للعام 2011، كما توجد فجوة كبيرة بين نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي لدى الطرفين حيث بلغ نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في إسرائيل 28,930 دولارا، بينما يبلغ في المناطق الفلسطينية 1614 دولارا، هذا بالرغم من التقارب الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية والأساسية لدى الطرفين.
ونتيجة للأزمة المالية والغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار بصورة غير طبيعية خاصة الوقود وبعض السلع الأساسية، ورفع قيمة الضريبة المضافة من 14.5% إلى 15.5% والتي يتحملها المستهلك والأوضاع الاقتصادية السيئة جدا وعدم وجود أي أفق سياسي، شهدت الضفة تظاهرات احتجاجية صاخبة في بداية شهر أيلول الماضي على مدى أكثر من أسبوع، وسارعت السلطة لاحتواء الأزمة بإصدار بعض القرارات الخاصة بتخفيض بعض الأسعار وتحديد أسعار بعض السلع الأساسية، وسارعت إسرائيل بتحويل مبلغ 250 مليون شيقل (حوالي 62.5 مليون دولار) إلى السلطة الفلسطينية كدفعة على حساب الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة، هذا بالإضافة إلى السماح لخمسة آلاف عامل جديد من الضفة للعمل في إسرائيل، وإدخال مبلغ 100 مليون شيقل لقطاع غزة لحل أزمة السيولة النقدية، وإعطاء بعض التسهيلات في دخول بعض المواد لقطاع غزة، كما توجهت الحكومة الإسرائيلية في حينه إلى دول أوروبا طالبة منها إقرار مساعدة مالية طارئة للسلطة تخرجها من أزمتها الاقتصادية الحادة، وهدفت إسرائيل من وراء تلك التسهيلات إلى مساعدة السلطة للخروج من أزمتها الاقتصادية والمالية خوفا من أن تتحول تظاهرات الاحتجاج على الغلاء في الضفة إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد إسرائيل وخوفا من انهيار السلطة.
كما كان للوضع الاقتصادي والمالي المتدهور للسلطة الأثر البالغ على الاستثمارات المحلية والأجنبية في الأراضي الفلسطينية، حيث أعلن سلطة النقد الفلسطينية والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني النتائج الخاصة بمسح الاستثمار الأجنبي للمؤسسات الفلسطينية لعام 2011، حيث أظهرت النتائج الأولية أن أرصدة الأصول الخارجية المملوكة للمؤسسات الفلسطينية والمستثمرة في الخارج قد بلغت حوالي 5144 مليون دولار اميركي في نهاية عام 2011، حيث شكل الاستثمار الأجنبي المباشر في الخارج منها حوالي 2.7%، واستثمارات الحافظة في الخارج حوالي 22.3%، والاستثمارات الأخرى في الخارج حوالي 65.3% وأهمها العملة والودائع في البنوك الأجنبية، والأصول الاحتياطية حوالي 9.7%.
والسؤال المهم هنا والذي يحتاج إلى إجابة من المسؤولين وأصحاب القرار والمطالبين بالاستثمار في فلسطين، كيف لنا أن نشجع وندعو إلى الاستثمار في فلسطين ونحن نستثمر ما يزيد عن خمسة مليارات دولار بالخارج؟
وأخيرا وبحساب الربح والخسارة نجد أن السلطة الوطنية الفلسطينية تخسر منذ 18 عاما فإلى متى سوف تستمر الخسارة، ألم يحن الوقت لوضع الخطط والاستراتيجيات والسياسات والدراسات وإيجاد البدائل الملائمة للاعتماد على الذات والاستغناء عن المنح والمساعدات المشروطة؟
* خبير ومحلل اقتصادي


http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=7&id=189339&cid=2888
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -