هل
نحن جاهزون لتطبيق الحد الأدنى للأجور في فلسطين
د. ماهر
تيسير الطباع
خبير و محلل
اقتصادي
5/6/2012
في
الآونة الأخيرة كثر الحديث عن قضية تطبيق الحد الأدنى للأجور للعمال و تم عقد
العديد من اللقاءات حول هذه القضية خلال الأشهر السابقة , وهنا لابد من السؤال هل
نحن جاهزون لتطبيق الحد الأدنى للأجور في فلسطين ........؟ .
في
اعتقادي إن كافة الأطراف ذات العلاقة و الممثلة بالحكومة وأصحاب العمل و ممثلي
العمال على قناعة تامة بأهمية تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور والذي يهدف لتحقيق
العدالة الاجتماعية , و الحد من معاناة العمال و تأمين متطلبات عيش كريم لهم وتحسين
أوضاعهم المعيشية بما يتناسب مع مستويات المعيشة واحتياجاتها الأساسية , لكن يجب
أن نقر بأن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها كلا من الضفة الغربية و قطاع غزة صعبة
و مأساوية في ظل القيود المفروضة من الجانب الإسرائيلي على حرية حركة البضائع و
الإفراد وتكاليف النقل المرتفعة , و الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من خمس
سنوات و الحرب الأخيرة على قطاع غزة وما دمرته من منشآت اقتصادية , كل ذلك أدى إلى
ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة , حيث بلغت معدلات
البطالة 23.9% وفقا لمركز
الإحصاء الفلسطيني و حسب نتائج مسح القوى العاملة لدورة الربع الأول لعام 2012
وبلغ عدد العاطلين عن العمل 261 آلف شخص في الضفة الغربية و قطاع غزة , وبلغت نسبة
البطالة في الضفة الغربية 20.1 % وبلغ
عدد العاطلين عن العمل 147 آلف شخص , أما في قطاع غزة ونتيجة للحصار فبلغت
نسبة البطالة 31.5 % وبلغ عدد
العاطلين عن العمل 114 آلف شخص , وهنا لابد من السؤال هل الحديث مُجدي عن
الحد الأدنى للأجور في ظل وجود أكثر من ربع مليون عاطل عن العمل ...؟ , في اعتقادي
أنة من الأجدر الحديث عن حلول و وضع خطط لتخفيض نسب البطالة المرتفعة من خلال
مشاريع مستدامة وفتح الأسواق العربية أمام العمالة الفلسطينية , وبعد ذلك يتم
الحديث عن تطبيق الحد الأدنى للأجور.
إن
تطبيق الحد الأدنى للأجور في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة و في ظل ما يعانيه القطاع
الخاص الفلسطيني على مدار 12 عام , سوف يؤثر بالسلب على المنشآت الصغيرة و
المتوسطة و التي تشكل ما يزيد عن 90% من القطاع الخاص الفلسطيني , حيث أن
هذه المنشات لا يوجد لديها القدرة الفعلية لتطبيق مثل هذه السياسات.
هذا
بالإضافة إلى أن تطبيق الحد الأدنى للأجور سوف يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة و
الفقر نتيجة استغناء أصحاب العمل عن بعض العاملين الغير مهرة أو الذين لا يشكلون
أهمية في العملية الإنتاجية , كما سوف يؤثر بالسلب على توظيف الخريجين الجدد و فئة
الشباب التي تعاني من نسبة بطالة 41.2% حيث أنهم لن يحصلوا على فرص عمل
بسهولة.
كما
أن تطبيق الحد الأدنى
للأجور سوف يؤدي إلى زيادة في تكاليف الإنتاج والخدمات و التي تشكل أجور العاملين فيها ما
نسبته من 20% إلى 30% من التكلفة الكلية للإنتاج
, مما سوف يساهم في انخفاض القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية التي تعاني كثيرا من القيود و الإجراءات
الإسرائيلية.
ولتطبيق الحد الأدنى للأجور وبالرغم من اختلاف مستوى المعيشة إلا أنة
يجب دراسة الحد الأدنى للأجور في الدول المجاورة لنا , حتى لا تفقد المنتجات
الفلسطينية القدرة التنافسية في الأسواق المحلية والعربية , و فرص الاستثمار
المتاحة , فالحد الأدنى للأجور في المملكة الأردنية الهاشمية 190 دينار أردني أي
ما يعادل 1025 شيكل , و يبلغ الحد الأدنى للأجور في جمهورية مصر العربية 700 جنية
مصري أي ما يعادل 440 شيكل .
ونستخلص من ذلك بأن تطبيق الحد الأدنى للأجور يتطلب عقد العديد من
ورش العمل واللقاءات بين كافة الأطراف ذات العلاقة و الممثلة بالحكومة
وأصحاب العمل و ممثلي العمال لدراسة كافة النواحي الايجابية و السلبية والتوافق
على الآليات المتعلقة بذلك لضمان تطبيق عادل واستقرار علاقات العمل وتحقيق الشراكة
الاجتماعية والتزام تام من كافة أطراف العلاقة بالتطبيق على أرض الواقع , كما يجب
مراعاة التباين في مستوى المعيشة حسب المناطق الجغرافية , و التباين في نمو
القطاعات الاقتصادية المختلفة , مع دراسة إمكانية تطبيق
الحد الأدنى للأجور على مراحل أو بشكل جزئي بحيث يبدأ تطبيقه على حسب مهارة
وخبرة وسنوات الخدمة الخاصة بالعامل , مع التأكيد على أن فرض حد أدنى للأجور بشكل
متوازن و معقول سوف يساهم في تطبيقه بالشكل المطلوب.