التهريب بين مصر وقطاع غزة يلفظ أنفاسه الأخيرة

التهريب بين مصر وقطاع غزة يلفظ أنفاسه الأخيرة
رفح 26 أبريل 2014 (شينخوا) عند فوهة نفق مدمر على الحدود بين قطاع غزة ومصر جلس بسام قشطة يشعل الشموع في ذكرى وفاة شقيقه الذي قضى في حادث عرضي أثناء العمل فيه العام الماضي.
ويستذكر قشطة أيام العمل في النفق "بحلوها ومرها" كما يقول لوكالة أنباء (شينخوا) قبل أن يدمره الجيش المصري ضمن حملة شنها على أنفاق التهريب مطلع يوليو الماضي.

وقرر قشطة بعد تدمير نفقه ثلاث مرات في غضون شهرين ترك التهريب والعمل في تسوق أجهزة كهربائية مستعمله يستوردها عن طريق إسرائيل.
ويضيف قشطة وهو ينفث دخان سيجارته "زمن التهريب ولى ..".
ويعتبر قشطة أكثر حظا من الكثير من عمال الانفاق الذين انضموا إلى صفوف البطالة بعد تدمير الأنفاق وتوقف العمل بها، فلم يعد ضجيج المولدات يسمع طول على الشريط الحدودي، وأخذت الحركة تتلاشى في ذلك المكان حتى باتت اليوم شبه معدومة.
ومثلت الأنفاق بديلا للحصار المشدد الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأوضاع في القطاع بالقوة منتصف العام 2007.ويقول مسؤولون محليون في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، إن أكثر من 90 في المائة من الأنفاق باتت مغلقة كليا بعد تدمير غالبيتها منذ بدء حملة الجيش المصري مطلع يوليو الماضي.
ويقول الجيش المصري، إنه "يسيطر تماما على الوضع" في سيناء واستطاع مواجهة عمليات التهريب مع قطاع غزة بعد سلسلة حملات نفذها في مدينة رفح المتآخمة لحدود القطاع الساحلي.
ونقلت وكالة أنباء (الشرق الأوسط) المصرية الرسمية الخميس الماضي عن اللواء أركان حرب محمد الشحات قائد الجيش الثاني الميداني قوله، إن "الجيش دمر أكثر من 1500 نفق بين سيناء وقطاع غزة في محاولة لوقف تهريب الأسلحة".
وعلى الرغم من الحملة المصرية الأمنية إلا أن عددا قليلا من المهربين مازالوا يرفضون الاستسلام وينفقون أموالا في إعادة بناء أنفاق ومدها لمسافة طويلة في عمق الأراضي المصرية طمعا في جني أرباح من وراء تهريب السجائر والأدوية المصرية المدعمة.
ومعظم تلك الأنفاق التي يتم ترميمها يصل عمقها لأكثر من عشرين متر في باطن الأرض.
ويشير قشطة، إلى أن الأنفاق التي تعمل على الحدود لا تزيد عن أصابع اليد وتشغيلها يزيد من فرص تدميرها خصوصا في ظل حملات الجيش التي لا تتوقف.
ويوضح قشطة، أنه خسر مبلغ 100 ألف دولار في عمليات ترميم نفقة وقرر عدم العودة إلى هذا العمل طالما ظلت تلك القبضة الحديدية من قبل الجيش المصري.
وشهدت أسعار السجائر في غزة ارتفعا هذا الشهر يعزوه تجار إلى تدمير الجيش لنفقين كانا مخصصين لتهريب السجائر واستمرار حكومة حماس المقالة في جني الضرائب على دخول التبغ من تلك الأنفاق.
وأقسم أحمد صلاح أمام عدد من زبائنه، بأن شحنة سجائر بقيمة ربع مليون دولار وقعت الأسبوع الماضي في قبضة الجيش المصري قبل تهريبها إلى غزة.
وظل يردد "ما ربحته في نصف عام ذهب في غمضة عين".
وإغلاق أنفاق التهريب تسبب في فقدان أكثر من 5 الاف أسرة مصدر رزقها الأساسي بشكل مباشر وعشرة آلاف أسرة بشكل غير مباشر في رفح، حسبما قال رئيس البلدية في المدينة المعين من قبل حماس صبحي رضوان ل(شينخوا).
ويشير رضوان، إلى أن الحركة التجارية في رفح التي يقطنها 200 ألف نسمة تراجعت إلى خمسين في المائة، وأن بعض المتاجر والمطاعم اضطر ملاكها إلى إغلاقها.
وفي تلك المدينة توقفت كثير من المتاجر عن بيع الشرائح وكروت الشحن الخاصة بالشرائح المصرية، كما أن الجنية المصرية تراجع ظهوره بين أيدي السكان المحليين.
وفي قطاع غزة الذي يقطنه مليون و750 ألف نسمة توقفت معظم عمليات البناء وتصطف المركبات أمام محطات الوقود القادم من إسرائيل وليس من مصر كما كان قبل غلق الأنفاق.
وتوقف محمد بارود من مخيم الشاطئ غرب غزة وهو تاجر مواشي، عن الذهاب إلى رفح لاستلام شحنات الخراف التي كان يهربها من الأنفاق، ولا يستطيع منافسة تجار المواشي الرسميين الذين يستوردنها من إسرائيل منذ عقود طويلة.
وكثف خليل زيني صاحب مطبخ لطهي اللحوم والأرز في رفح من الحملات الدعائية بعد تراجع عمله وتوقف توريد الطعام إلى سيناء.
وكان مطبخ زيني واحد من عشرة مطاعم اشتهرت في إنتاج الطعام للعاملين في الأنفاق وللمهربين المصريين الذين كانوا يستوردون حوالي ثلاثة الاف وجبة بشكل يومي وتوزيعها في رفح المصرية.
وقال متحسرا على تلك الأيام، "سرحت نصف عمال المطبخ .. أبحث عن سوق جديدة في غزة لذلك أحاول من خلال الإعلانات أن أجلب الزبائن إلى هنا".
وأقسم أحمد صيدم وهو شاب في العقد الثالث من عمرة ويعمل حارس لنفق متوقف عن العمل إنه لم يتقاض أجرة منذ شهرين.
وأعلنت وزارة الداخلية التابعة لحكومة حماس المقالة في الثامن من شهر ابريل الجاري عن حل "هيئة الأنفاق" التي كانت تتولى جني الضرائب نظير مرور السلع المهربة عبر الأنفاق.
وتكبدت حكومة حماس خسائر مالية كبيرة وتضطر إلى صرف نصف راتب لحوالي أربعين ألف موظف يعملون لصالحها منذ بدء الحملة المصرية لإغلاق الأنفاق.
ويعمل الجيش المصري على إقامة منطقة أمنية عازلة على طول حدود قطاع غزة منذ سبتمبر الماضي وفق ما أعلن بيان للقوات المسلحة المصرية آنذاك.
وتنشط دبابات وآليات مصرية على طول الحدود ولا يمر يوما إلا وتقوم وحدة الهندسة في الجيش بتفخيخ فوه نفق أو منزل متآخم للحدود مع غزة.
ويقول الخبير الاقتصادي معين رجب من غزة ل(شينخوا)، إن إغلاق الأنفاق وجه لطمه قوية للاقتصاد الناشئ في غزة وأصاب موازنة حكومة حماس بشكل كبير".
ويوضح رجب، أن هذا الواقع أعاد الأمور إلى ما كانت عليه عندما شددت السلطات الإسرائيلية حصارها على قطاع غزة بعد سيطرة حماس عليه بالقوة ما دفع الاقتصاد لحافة الانهيار.
وتشير تقارير للأمم المتحدة، إلى أن انهيار شبكة الأنفاق تسببت في ارتفاع عدد العاطلين عن العمل في قطاع غزة إلى أكثر من 30 في المائة، لكن تقديرات محلية تشير إلى نسبة أعلى.
وتزود إسرائيل قطاع غزة بنحو 40 في المائة من احتياجاته اليومية، لكنها تحظر إدخال مواد الصناعة والبناء.
ويعتمد ثلثي سكان قطاع غزة على المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية والسلطة الفلسطينية.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطاب ألقاه في رام الله بالضفة الغربية أمام اجتماع المجلس المركزي اليوم (السبت)، إنه يدعم تدمير أنفاق التهريب "غير الشرعية" لكن مع ضرورة أن يمنح سكان غزة حقوقهم.
ويقول المسئول في الغرفة التجارية بغزة ماهر الطباع، إن خطوة اتفاق تنفيذ المصالحة الفلسطينية الذي أعلن في غزة بين وفد يمثل القيادة الفلسطينية وحركة حماس الأسبوع الماضي يجب أن يوفر بديلا عن الأنفاق وهو ما يتحقق بفتح المعابر المغلقة مع إسرائيل".
ويشير الطباع، إلى أن على حكومة التوافق المتفق على تشكيلها "إيجاد واقع جديد لمواجهة أزمة البطالة الناتجة عن هدم تلك الأنفاق".
وبالنسبة لسكان مدينة رفح فإن الأنفاق تتحول تدريجيا إلى شيئ من الماضي.
وفقدت رفح أهميتها التجارة كمنفذ اقتصادي للقطاع منذ إغلاق الأنفاق، بعد أن هجرها العمال والمستثمرين، وتضرر بفعل ذلك القطاع التجاري وقطاع المواصلات وقطاعات أخرى.

وتقول رسمية منصور التي كانت ترتدي نقابا أسود لا يظهر سوى عينها وتقطن قرب الحدود مع مصر "ما في تهريب هنا .. الكلاب الضالة احتلت المكان ونخشى الخروج مع حلول الظلام من منازلنا". 
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -