الانضمام لمنظمة التجارة العالمية قطار سريع ... فلسطين غير جاهزة للحاق به


07 نيسان 2014
كثير من الصناعات الإنتاجية الفلسطينية ستضعف في حالة الانضمام إليها
الانضمام لمنظمة التجارة العالمية قطار سريع ... فلسطين غير جاهزة للحاق به
رام الله- الاقتصادي- حسناء الرنتيسي- أثارت قضية الانضمام لمنظمة التجارة الدولية حفيظة بعض المحللين الاقتصادين الذين حذروا من هذه الخطوة التي تسعى وزارة الاقتصاد الوطني جاهدة للقيام بها بتخصيصها وحدة خاصة لمتابعة الموضوع بالدراسة والبحث والتنسيق مع الادارة المركزية لمنظمة التجارة العالمية ومع الجانب الفلسطيني من قطاع عام وخاص حسب قولهم،


فقد صدرت دراسة عن مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية "المرصد"، دعت لضرورة وقف مدير عام السياسات الاقتصادية في وزارة الاقتصاد الوطني مساعي الانضمام لمنظمة التجارة العالمية إلى حين وجود استقلال سياسي واقتصادي يمكّن الفلسطينيين من إجراء نقاشات مجتمعية عميقة لتحليل الآثار المترتبة على خطوة الانضمام لمثل منظمة كهذه. 


ولفت د. عزمي عبد الرحمن إلى ن انضمام الدول لمنظمة التجارة الدولية في الوضع الطبيعي يأخذ سنوات طويلة من المفاوضات بعد قبول الطلب، مشيرا إلى أن المفاوضات حول الظروف الاقتصادية ومواءمة السياسات مع كل دولة في منظمة التجارة الدولية تحتاج لسنوات طويلة ودراسات معمقة لكل قطاع.
وقال" هناك توجه في فلسطين للانضمام للمنظمة ضمن قرار سياسي، "فمنذ سنوات بدأنا الاستعداد لانشاء وحدة خاصة بالانضمام، وهذه الوحدة تعمل جاهدة لتوفير الدراسات والتدريب والاحتكاك مع الادارة المركزية بجنيف والكثير من الأمور اللوجستية، فقد تم الانضمام كعضو مراقب، وذلك من اجل الاستفادة من التبعات الفنية للانضمام للمنظمة، ووجودها بأراضي الفلسطينيين يعطينا المعرفة والمهارة والخبرة للانضمام للمنظمة، ولكن تقدمنا بطلب اول من 3-4 سنوات، رفض من اسرائيل رغم استيفاء الشروط ودفع الرسوم. منذ سنة ونصف السنة أعدنا تقديم الطلب بعد ان اجتمعنا بالقطاع الحكومي والخاص لاعداده، ولغاية الآن لم يحدث اي جديد على الطلب".

حالة من التعقيد في ظل اتفاقية باريس 
الدراسة تقول ان "الحالة الفلسطينية مشبعة بالتناقضات إلى حد كبير، ومجرد التفكير بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية يعطي مستوى إضافياً من التعقيد؛ إذ من ناحية أن الاقتصاد الفلسطيني مشوه بنيويا وملحق باقتصاد الاحتلال، وقد رسم هذا من خلال اتفاقية باريس إضافة إلى واقع أننا تحت سيطرة قوة الاحتلال، فلا سبيل للتحرر الاقتصادي إلا من خلال التحرر السياسي".


الخبير الاقتصادي د. ماهر الطباع رأى إن انضمام فلسطين لمنظمة التجارة العالمية سيزيد حالة التشوه الموجودة بالاقتصاد الفلسطيني، "حيث ساهمت اتفاقية باريس الاقتصادية في تحجيم دور السلطة وعدم سيطرتها على المصادر الطبيعية والمعابر الحدودية، وربطت الاقتصاد الفلسطيني الناشئ ذات النمو المحدود بالاقتصاد الإسرائيلي القوي ذات النمو الكبير، والذي اعتبره البنك الدولي من ضمن أفضل الاقتصاديات في العالم، ما كان له الأثر الكبير في إضعاف وتدهور الاقتصاد الفلسطيني وحدوث فجوة كبيرة بين مستوى المعيشة لدى الطرفين، حيث بلغ الحد الأدنى للأجور في إسرائيل 4300 شيكل شهريا، وهذا يوازي ثلاث أضعاف الحد الأدنى للأجور في المناطق الفلسطينية، والذي تم إقراره حديثا وبلغ 1450 شيكل شهريا".


ورأى الطباع ان هناك فجوة كبيرة بين نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي لدى الطرفين حيث يبلغ نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في إسرائيل حوالي28,000 دولار، بينما يبلغ في المناطق الفلسطينية 1600 دولار، هذا بالرغم من التقارب الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية والأساسية لدى الطرفين، العديد من المقومات الأساسية مفقودة، حيث لا يوجد بنك مركزي، ولا يوجد عملة وطنية، الكثير من القوانين والتشريعات تحتاج إلى تطوير".


د. عبد الرحمن يقول ان الانضمام للمنظمة لا يمثل قيودا اضافية على الاقتصاد الفلسطيني، انما هذا قطار سريع، من يركبه عليه ان يتقيد بشروطه، واذا كان الاقتصاد ضعيفا ستكون هناك قيود وعقبات عليه، وقد يمثل الانضمام اغراء لكثير من المؤسسات، وقد يكون هناك عدم قدرة على المنافسة العالمية، وبالتالي يجب ان تكون القطاعات الاقتصادية مستوفية للشروط وناضجة من أجل الانضمام للمنظمة، والا ستكون النتائج سلبية، وهذا يبرر حاجتنا لسنوات للانضمام للمنظمة، فهي تحتاج التأني لخدمة الاقتصاد وان لا تكون عبئا عليه.


وعن اتفاقية باريس، قال د. عبد الرحمن ان اتفاقية باريس ملغية بالشق القانوني، المفروض انها لم تعد مرجعية اقتصادية منذ انتهاء العقد المتفق عليه وهو 1999، وبموجب العقد تنقل كافة الصلاحيات الادارية للجانب الفلسطيني، لكن غلبة الاقوى هي التي دفعت لبقاء هيمنة هذه الاتفاقية.
وأضاف عبد الرحمن ان المسار الاقتصادي متلازم مع الشق الاقتصادي، وبالتالي ضمن المفاوضات الحالية نعمل على ايجاد ايجابيات اقتصادية، والا سنتوجه للجهات الدولية للتحكيم بيننا حسب القانون الدولي.
وتابع د. عبد الرحمن "طالبنا اسرائيل بالتفاوض على الكثير من البنود، لكنها رفضت ذلك".

سحق لاقتصاديات الدول النامية
الدراسة أكدت "أن منظمة التجارة العالمية، كغيرها من منظمة العولمة الليبرالية تسعى إلى فتح أسواق الدول النامية أمام الدول الصناعية المتقدمة من أجل استغلالها، فبمجرد أن تنضم ستصبح "طيعاً" لهذا النظام التجاري التبادلي المصمم لسحق اقتصاديات الدول الصغيرة والنامية تدريجياً، كما أن الفرق الجوهري والأساسي يكمن في أن التطور التكنولوجي والصناعي والقانوني يسمح لهذه الدول باللعب ضمن شروط منظمة التجارة، أما نحن –والحديث عن الاقتصاد الفلسطيني- فلا نمتلك أدنى أشكال السيطرة على الموارد والمعابر، فكيف بنا أن نضيف قيوداً تعمل على إنتاج المزيد من التخلف الاقتصادي والتنموي، وإن لم تطبق الآن، فهي ستطبق لاحقاً، أي أننا نقيد أنفسنا بأنفسنا ولأجيال عدة قادمة".


الطباع رأى أن أهم السلبيات تتمثل في أن منظمة التجارة العالمية تسعى لفتح أسواق الدول النامية أمام الدول الصناعية الكبرى المتقدمة من أجل استغلالها في تسويق منتجاتها بحرية دون قيود أو شروط، وتحقيق المكاسب الاقتصادية والمالية والتجارية على حساب شعوب تلك الدول، وتطبيق الاتفاقيات الخاصة بتحرير التجارة بكافة قطاعاتها، وتحرير التجارة في الخدمات،  وحماية الملكية الفكرية.


وأضاف الطباع أن الصادرات الفلسطينية للعالم الخارجي محدودة جدا، بالإضافة إلى صعوبة المنافسة في الأسعار و الجودة، حيث إن تكاليف الإنتاج مرتفعة في فلسطين وهناك تحكم من الاحتلال بالمعابر التجارية بما لا يسمح بحرية حركة الصادرات و الواردات.
اما من بين أهم الايجابيات للانضمام لمنظمة التجارة الدولية فقال الطباع انه  يمكن الاستفادة من التسهيلات التجارية للدول الأعضاء في المنظمة، بما في ذلك الإعفاءات والتخفيضات الجمركية على صادراتها، وهذا يعني تدفق الصادرات الفلسطينية إلى الخارج، ووصول المنتج الوطني إلى أكبر عدد من أسواق الدول الأعضاء، وفتح أسواق جديدة أمام المنتج الفلسطيني على مستوى عالمي، وهذا سيؤدي إلى تطوير الصناعات الفلسطينية ورفع جودة المنتج الوطني وفتح استثمارات جديدة.


كما اشار الطباع انه يمكن الاستفادة من المساعدات الفنية والمالية المقدمة من منظمة التجارة العالمية لكافة الأعضاء، وأهمها مراجعة الأنظمة التجارية المعمول بها وتقديم المساعدات الفنية وتدريب الطواقم الفنية والخبراء.
من جهته، أشار د. عبد الرحمن من جهته الى ان "علاقاتنا الاقتصادية مع اسرائيل هي علاقة استغلال، وبالتالي نحن نقع في دائرة الاستغلال تلقائيا، ونحتاج لسياسات داعمة قبل التفاوض والدخول في المنظمة، نحن سوق مستهلك لا منتج، المنتج الوطني حجمه بين 18-20% فقط في السوق الفلسطيني، وقطاعاتنا ما زالت بحاجة لاموال المانحين".


وبين عبد الرحمن ان الانضمام للمنظمة معقد للدول المستقلة، فكيف بحالنا ونحن تحت هيمنة اقتصادية وسياسية كاملة من اسرائيل، فاسرائيل ستتابع عرقلة ذلك لاعتبارات سيادية، لذلك سنحتاج سنوات عديدة لتحقيق الانضمام للمنظمة. 
وأضاف عبد الرحمن ان هناك شروطا للانضمام للمنظمة، ومن ضمنها ان نكون دولة، ونحن لم نكن كذلك، وبعد ان نلنا صفة المراقب في الامم المتحدة سنعيد متابعة الطلب من خلال وحدة التجارة العالمية الموجودة في الوزارة، نقوم بالتواصل مع كافة الجهات، وهذا هو عبارة عن استعدادات واجراءات، وسيرفض الطلب مرة اخرى واخرى، لانه يستوجب موافقة جميع الاعضاء من الدول في المنظمة دون رفض اي واحدة منها، وهذا ما تتبجح به اسرائيل.

5% من القطاع الصناعي يمكنه التأثر بالخطوة
الدراسة بيّنت "أن الانضمام للمنظمة سيؤثر على عدد كبير من القطاعات الاقتصادية، ومنها الزراعة، والدواء، والصناعة، والتعليم، ومجالات النشر والطباعة والنسخ... الخ، هذا التأثير سيؤدي إلى إضعاف عدد كبير من الصناعات الإنتاجية الفلسطينية، وتقليص الموارد المالية المتاحة الآن ومستقبلاً من خلال الجمارك والمكوس المختلفة، والتأثير على قدرة الفلسطينيين على وضع قوانين، والأهم أن بقاء الفلسطينيين في إطار اتفاقيات اقتصادية مع الاحتلال، ومع هذه المنظمات، وأن تضيف السلطة مزيداً من الشروط المختلفة التي تضعها الدول والهيئات المانحة سيزيد من انكشاف المجتمع الفلسطيني، ويقلل هوامش حركته، وبدلا من ذلك، علينا أن نسعى لبناء اقتصاد إنتاجي، قادر على أن يعزز صمود الفلسطينيين على أرضهم في إطار معركة التحرر الوطني التي لم تنته، ويقيم شأنا للعدالة الاجتماعية التي تستحقها الفئات الاجتماعية المسحوقة".


وقال عبد الرحمن ان الانضمام للمنظمة يحتاج لدراسات دقيقة وشاملة لكافة القطاعات، وبحث جاهزيتها للانضمام لمنظمة التجارة الدولية، ليتسنى ايضاح الصورة ايجابية او سلبية للانضمام بناء على المعطيات، وجزئيات القطاعات المختلفة.
واشار الى اهمية الانضمام للمنظمة قائلا "بالنسبة لدول العالم، 90% من حجم التجارة العالمية تم بين الدول الاعضاء بالمنظمة، وبالتالي المنظمة هي السوق الرسمي ان قبلنا او رفضنا، وبالتالي اصبح تحصيلا على الدول المستقلة الالتحاق بالدول وركب التجارة العالمية وان تلحق هذه الدول بهذا القطار السريع والا ستبقى منفردة، ولا تستفيد من الانضمام للمنظمة التي تعطيها الفرصة الكاملة بأن تعامل منتجاتها كمنتجات الدولة المصدر لها، اي مساواتها بالمنتج الوطني لهذه الدول من حيث المعاملة، ما سيدفع لتوسيع رقعة السوق للدولة المنظمة، وهذا له انعكاساته الاقتصادية والتي تتلخص في تحقيق النمو الاقتصادي وزيادة فرص العمل وغيره".


وأضاف عبد الرحمن " 99% من منشآت القطاع الصناعي الفلسطيني فيها اقل من 20 عاملا، و89% اقل من 5 عمال، و8% فيها تقريبا 10 عمال، وحوالي 16 الف منشأة صغيرة الحجم برأس المال والانتاج والعمالة، وبالتالي نحن نتحدث فقط عن 5% من حجم المنشآت الفلسطينية العاملة التي يمكنها التأثر بالاسواق العالمية، والدراسات الدقيقة لكل قطاع هي التي تحكم على نوع النظرة ايجابية او سلبية للانضمام للمنظمة".

اقتراحات وبدائل للانضمام 
الدراسة اقترحت تحليل آثار الانضمام والمخاطر المتوقعة بناء على تجارب الدول النامية والعربية، موجهة الانظار نحو أطر اقتصادية وتكتلات إقليمية نستطيع الانضمام إليها كتعبير سياسي، وكتبادل اقتصادي قائم على مبادئ أكثر عدالة من منظمة التجارة العالمية، ولا تتطلب تنازلات كبيرة.
وخلصت الدراسة الى أن هذا الانضمام له عواقب لا قدرة للفلسطينيين على تحملها.
الطباع من جهته،  أيد السعي نحو الانضمام للاتفاقيات التجارية والاقتصادية الثنائية مع بعض الدول الصديقة، واعتبرها الحل أمثل في ظل وضع الاقتصاد الفلسطيني الحالي.
بينما دعا عبد الرحمن الى ضرورة وضع السياسات التي تقود نحو تطوير وتنظيم القطاع الصناعي الفلسطيني والقطاعات الانتاجية الاخرى، ودعا لضرورة الدعم والمساندة في هذه الخطوة من قبل كافة الجهات ذات العلاقة. 
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -