الشارع الفلسطيني والمصالحة: تطلعات اقتصادية وحريات عامة

الشارع الفلسطيني والمصالحة: تطلعات اقتصادية وحريات عامة

غزة-رائد موسى
تاريخ النشر: 07/06/2014 - ساعة النشر: 15:12
بعد توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية في نيسان (ابريل) الماضي، وتشكيل حكومة التوافق الوطني، لمس المواطن الفلسطيني خطوات ايجابية من جانب حركتي "فتح" و"حماس"، لكنه لا يزال يترقب بحذر وضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ الكلي، ليتلمس "بركاته" على حرياته واقتصاده.

ويقول مراقبون إن الشارع الفلسطيني، الذي عانى ويلات الانقسام وتداعياته السلبية على كافة مناحي الحياة منذ وقوعه في منتصف العام 2007، يهمه أن يخرجه اتفاق المصالحة الذي لجأت إليه الحركتان اضطراراً للهروب من أزمتي المفاوضات والحصار، من أزماته خصوصاً على صعيد الاقتصاد والحريات العامة.

مصالحة الضرورة

ويفسر مدير مركز "بدائل" للأبحاث والدراسات في رام الله الكاتب الصحافي هاني المصري سرعة توصل الحركتين لاتفاق المصالحة، بالأزمة التي تعانيها كل حركة، فحركة "حماس" تعاني حصاراً خانقاً تسبب في أزمة مالية شديدة وعدم قدرتها على سداد رواتب موظفيها، فضلاً عن تدهور علاقتها بمصر منذ الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) الماضي، وهذا ما انعكس على حياة مليون و800 ألف فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير.
وبالنسبة لحركة "فتح"، والحديث للمصري، فإنها تعيش أزمة سياسية بفعل فشل اتفاقية أوسلو، ووصول المفاوضات الثنائية مع إسرائيل إلى طريق مسدود، بسبب تعنت إسرائيل، وانحياز الولايات المتحدة، الأمر الذي أدى إلى تدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الضفة الغربية، وازدياد حدة صراع تيارات فتحاوية على المصالح والمراكز وعلى خلافة الرئيس محمود عباس.
وقال المصري إن المواطن الفلسطيني الذي أصيب باليأس والاحباط على مدار السنوات السبع العجاف من عمر الانقسام، يتطلع إلى نجاح اتفاق المصالحة، بما ينعكس على كافة مناحي حياته، وأهمها الناحية الاقتصادية.
ويشاطر رئيس شبكة المنظمات الأهلية محسن أبو رمضان، المصري، الرأي، بأن متغيرات جوهرية كبيرة كانت السبب الرئيس في التوصل اتفاق المصالحة في غزة، فبالنسبة للرئيس عباس فقد وصل إلى نتيجة تؤكد أن إسرائيل بتعنتها والولايات المتحدة بانحيازها أفشلتا المفاوضات وامكانية التوصل إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية. أما فيما يخص "حماس" كأحد طرفي الانقسام فقد وصلت لنتيجة أن لا مخرج أمامها من الأزمة التي وقعت فيها بفعل المتغيرات الاقليمية العربية، خصوصاً في مصر مع الانقلاب العسكري على جماعة الإخوان المسلمين، إلا المصالحة، في محاولة منها لتجاوز حصارها المشدد وأزمتها المالية الخانقة.
وبغض النظر عن مبررات ودوافع كل طرف في التوصل إلى اتفاق المصالحة، يرى أبو رمضان أن الاتفاق كان خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح نحو توحيد النظام السياسي الفلسطيني، وتفعيل الاطار الديمقراطي، بما يضمن ويصون الحقوق والحريات العامة وكرامة المواطنين، التي تعرضت للانتهاك في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال سنوات الانقسام، خصوصاً فيما يتعلق بملف الاعتقال السياسي وحرية الرأي والتعبير.
وقال أبو رمضان إن الفلسطييين يتطلعون الآن إلى إدارة سليمة لملفاتهم الداخلية تستند إلى احترام حريتهم وكرامتهم، وصون وضمان حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق مبدأ الشراكة وتكافؤ الفرص بعيداً عن الحزبية والمحسوبية.

موظفون يحلمون برواتب كاملة

وجاء التوصل إلى اتفاق تنفيذ المصالحة في وقت كان الشارع الفلسطيني يعاني احباطاً ويأساً من امكانية انهاء الانقسام، مرده فشل الحركتين في تنفيذ اتفاقيات سابقة جرى التوصل إليها في القاهرة والدوحة.

وما يزيد من احباط الشارع معاناة الفلسطينيين، خصوصاً الموظفين منهم بفعل أن السلطة الفلسطينية (غزة والضفة) هي المشغل الأكبر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن هؤلاء يعانون من عدم انتظام رواتبهم الشهرية، وفي الوقت الذي تسلم فيه حكومة "حماس" موظفيها نصف قيمة رواتبهم بسبب الضائقة المالية، فإن موظفي السلطة في رام الله يفتقدون إلى الأمان الوظيفي وانتظام الرواتب، بسبب التهديدات الإسرائيلية بوقف تحويل عائدات الضرائب للسلطة كنوع من الابتزاز السياسي رداً على وقف المفاوضات.


ويعتقد الناشط الشبابي نادر أبو شرخ أن غالبية الموظفين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة ينصب تفكيرهم على رواتبهم الشهرية ولقمة عيش أسرهم، ويمنون أنفسهم بالأمان الوظيفي وانتظام رواتبهم، عقب توقيع اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة التوافق.
ووفقاً لأبو شرخ فإن الانقسام الداخلي وما تسبب به من انعكاسات خطيرة ومدمرة على مختلف مناحي الحياة تسبب في فقدان الشارع الفلسطيني للثقة في القيادات والنخب السياسية، مشيراً إلى أن أي نتيجة باستثناء النجاح في تطبيق اتفاق المصالحة الأخيرة سيصيب الشارع بصدمة كبيرة.
وقال أبو شرخ إن الشارع يتطلع إلى المصالحة ليس فقط لأهميتها السياسية في مواجهة الاحتلال، وإنما لتحسين ظروف حياته ومقومات صموده على الأرض، فلا يمكن تحقيق الثبات في مواجهة الاحتلال بجيوش من العاطلين عن العمل، وفي ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وهي أسباب كانت كفيلة في ظل الانقسام بتنامي تفكير الشباب في الهجرة.

انتعاش اقتصادي
ويتفق الكاتب الصحافي المختص بالشؤون الاقتصادية حامد جاد مع أبو شرخ فيما ذهب إليه، ويعتقد أيضاً أن المصالحة وإنهاء الانقسام لن تنعكس نتائجها الايجابية على الشرائح المتوسطة وحسب، بل ستستفيد منها شريحة رجال الأعمال وأصحاب المصانع والمصالح الاقتصادية، الذين سيشعرون بالامان والاستقرار، سواء على صعيد توحيد المعاملات والاجراءات المالية بين الضفة وغزة، أو على صعيد تحسن القوة الشرائية.

وللملف الاقتصادي، وفقاً لجاد، أهمية كبيرة في اتفاق المصالحة، فهو يعتقد أن الدافع الاقتصادي كان من أبرز دوافع التوصل إلى الاتفاق الأخير.
وقال جاد إن سكان قطاع غزة على وجه التحديد يتطلعون بعد سبع سنوات من الحروب والحصار وتردي الأوضاع المعيشية والخدمات الحياتية اليومية، إلى تحسن يطرأ على حياتهم في كافة المجالات، كحرية الحركة والتنقل، والمعابر التجارية، والكهرباء، والمياه، وغيرها الكثير.

وليس بعيدا عما ذهب إليه أبو شرخ وجاد، يقول الخبير والمحلل الاقتصادي ماهر الطباع إن سبع سنوات من الانقسام كانت الحقبة الأكثر سواداً في تاريخ القضية الفلسطينية، لما خلفته من آثار سلبية على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية للفلسطينيين.
وبعد تشكيل حكومة التوافق الوطني برئاسة رامي الحمد الله يتطلع الغزيون إلى قيامها بدورها في إعادة إنعاش الاقتصاد ومعالجة كثير من العقبات والتحديات التي فرضها الحصار على القطاع الخاص، والحديث للطباع.

ويعتقد الطباع أن أهم مهام حكومة التوافق تتمثل في ممارسة الضغوط على إسرائيل لرفع الحصار عن قطاع غزة، وتزويده باحتياجاته من المواد الخام ومواد البناء وكثير من السلع والبضائع الممنوعة، فضلاً عن السماح بتصدير منتجات القطاع الزراعية في الأسواق الخارجية، والسماح أيضاً بوصول المنتجات الصناعية والزراعية إلى أسواق الضفة الغربية.
وأضاف أن أمام الحكومة كذلك مهمة رئيسية تتمثل في معالجة ازدواجية القوانين والاجراءات المتعلقة بالجمارك والضرائب التي فرضها الانقسام بين الضفة وغزة، وأثرت بشكل سلبي كبير على القطاع الخاص وتسببت في ضعفه ومنع نموه، ولم يسلم منها المواطن العادي، ضارباً المثل بالسيارات التي تخضع لضريبتين في الضفة وغزة ما يرفع سعرها على المستهلك.

ويلخص الطباع موقفه من حكومة التوافق والمطلوب منها كي يشعر المواطن الفلسطيني بايجابيات المصالحة، ويخرج من حالة اليأس والاحبط التي أصابته على مدار سبع سنوات من الانقسام، ويتضمن ذلك العمل سريعاً على معالجة قضايا الفقر والبطالة، وذلك عبر اطلاق أنشطة استثمارية في المجالات الاقتصادية والزراعية والسياحية والصناعية.

اختبار إرادة
ويقول الكاتب والناشط في مجال حقوق الانسان مصطفى ابراهيم إن الحفاظ على المصالحة والمضي قدما في انجازها مهمة ليست سهلة، وهي بحاجة الى إرادة قوية من أجل إزالة العقبات التي تعترضها بتوافق الكل الوطني وبالعمل على بناء استرايجية نضالية جديدة وجدية، لمواجهة العقبات التي ستعترض تنفيذ الاتفاق وأبرزها الابتزاز والتهديد الإسرائيلي، فضلاً عن العقبات الداخلية المتمثلة في جماعات المصالح التي ارتبطت مصالحها بالانقسام.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -