نازحو غزة يلجؤون لبدائل عن الإسمنت للبناء

نازحو غزة يلجؤون لبدائل عن الإسمنت للبناء
استعان الفلسطيني مالك دلول بألواح الحديد لبناء منزل صغير من تصميمه عوضاً عن الذي دمر خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف العام الماضي.
ووجد دلول وهو في نهاية الثلاثينيات من عمره، في ألواح الحديد بديلا مناسباً للإسمنت الذي تقيد إسرائيل توريده إلى قطاع غزة حتى يوفر مأوى لعائلته المكونة من 6 أفراد والمشردة بفعل تدمير منزلها كلياً.
وبالنسبة إليه فإنه يفضل البقاء في منزل مصمم من الحديد فقط عوضاً عن الاستئجار المؤقت وانتظار مشاريع إعادة الإعمار التي تشرف عليها الأمم المتحدة ويشتكي النازحون في قطاع غزة من بطء كبير في وتيرتها.
ويقول دلول لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): إنه فكر كثيراً في كيفية إعادة بناء منزله والتغلب على مصاعب عدم توفر كميات مواد البناء اللازمة لذلك والتكلفة العالية جداً حتى لو انتظر توفرها لعدة أشهر قادمة.
ويضيف أنه رفض أن تعيش عائلته داخل كرفان حديدي كما عرضت عليه إحدى جمعيات الإغاثة قبل أن يهتدي إلى فكرة استخدام ألواح الحديد لتشييد منزله في نفس موقع منزل السابق المدمر على أطراف حي الزيتون شرقي مدينة غزة. والمنزل الذي بناه دلول باستخدام الحديد مكون من طابقين وعلى مساحة نحو 100 متر مربع وهو يحمل أوزاناً تصل إلى 35 طناً. وتصل تكلفة تشييد هذا المنزل إلى 20 ألف دولار أميركي بما يعادل %10 تقريباً من تكلفة تشييد منزل بنفس المواصفات من الإسمنت وفق أسعار السوق المحلية لقطاع غزة.
ويقول دلول الذي يعمل في مجال البناء والمقاولات: إنه حرص على بناء المنزل الجديد ضمن مواصفات هندسية تراعي عوامل البيئة المحيطة في فصلي الشتاء والصيف.
ويضيف «نريد أن يكون المنزل ستراً لنا حتى لا نبقى مشردين طويلا خصوصاً أن ما يعرض علينا من كرفانات مهترئة وضيقة لا تتوفر فيها أدنى مقاومات الحياة». ودمر الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في الفترة من 8 يوليو حتى 26 أغسطس الماضيين نحو 80 ألف منزل سكني ما بين كلي وجزئي. ويعيش نحو 100 ألف فلسطيني جراء ذلك من دون مأوى وفق تقديرات منظمات حقوقية.
وبعد مرور أكثر من 6 أشهر على انتهاء الهجوم الإسرائيلي فإن وتيرة إعادة الإعمار تسير ببطء شديد بسبب قلة توفر أموال الدعم لذلك.
وتعهدت الدول المانحة في 12 أكتوبر الماضي، بمبلغ 5.4 مليار دولار للفلسطينيين على أن يخصص نصفه لصالح إعادة إعمار قطاع غزة خلال مؤتمر دولي عقد في القاهرة برعاية مصرية ونرويجية.
لكن مسؤولين فلسطينيين يقولون إن ما توفر من هذه التعهدات لا يتجاوز %1 حتى الآن، فيما اقتصر الدعم المتوفر على ترميم جزئي للمنازل المتضررة دون أن تتم المباشرة حتى الآن ببناء أي من المنازل المدمرة كلياً.
وإلى جانب غياب الدعم المالي اللازم فإن مسؤولين فلسطينيين يشتكون من تقييد إسرائيل توريد مواد البناء واقتصارها على كميات شحيحة لا تكفي الحد الأدنى اللازم للمضي في إعادة الإعمار.
ويحتاج قطاع غزة بحسب مسؤولين محليين، ما يزيد على مليون ونصف طن من الإسمنت، وأكثر من 5 ملايين طن من المواد الإنشائية لعمليات إعادة الإعمار. ودفع هذا الواقع حسن أبو راشد إلى اللجوء مع عائلته للعيش داخل كوخ بدائي صنع من الخشب المستعمل ليكون مأوى لهم من برد الشتاء بعد تدمير منزلهم في الهجوم الإسرائيلي الأخير.
ويتكون منزل أبو راشد من غرفتين ومطبخ صنع من ألواح خشبية صفت إلى جانب بعضها البعض وسقّفت بأخرى لتكون كوخاً صغيراً ذا أرضية رملية بمساحة 100 متر تم كساؤه بمادة النايلون المقوى.
وعلى مقربة من الكوخ الخشبي الصغير أقيمت غرفة صغيرة أخرى منفصلة لتكون أشبه بحمام للعائلة من دون احتوائه على الماء أو حتى الصرف الصحي.
وأقيم هذا الكوخ إلى جانب أكواخ أخرى بنيت بذات الطريقة من دون وصلها بالتيار الكهربائي على أنقاض منازل أصحابها التي دمرت في الهجوم الإسرائيلي نفسه.
وتقع تلك الأكواخ الخشبية على تلة عالية من الرمال قرب السياج الفاصل مع إسرائيل على الحدود الشرقية لبلدة بيت حانون أقصى شمال قطاع غزة.
ويقول أبو راشد (29 عاماً) إن اللجوء إلى منزل عبارة عن كوخ من الخشب لعائلته المكونة من 7 أفراد جاء حلا اضطرارياً عن تحمل مصاعب استمرار الحياة في مدرسة للنازحين التي قضوا فيها نحو 4 أشهر. ويصف أبو راشد حياة عائلته في الكوخ الخشبي بأنها سيئة لكنه يقول إنها أفضل من نوم داخل فصل دراسي في مدرسة تأوي مئات النازحين ممن فقدوا منازلهم.
ويظهر أبو راشد تشاؤماً إزاء قرب إعادة إعمار منزله المدمر، معتبراً أن العيش داخل كوخ خشبي أفضل بكثير من الانتظار سنوات بيأس حياة التشرد.
ويعيش أكثر من 50 ألف فلسطيني ممن فقدوا منازلهم حتى الآن داخل مدارس تابعة للأمم المتحدة في مناطق متفرقة من قطاع غزة وسط شكوتهم من الاكتظاظ وعدم توفر الخدمات الأساسية لهم.
وبسبب عدم توفر الإسمنت بقيت أرضية الكوخ الخشبي رملية حاولت العائلة التغلب على ذلك بوضع مفارش بلاستيكية عليها لتتمكن من النوم بداخلها، وأحاطته بأكوام من الرمل حتى لا تتسرب مياه الأمطار إلى داخله.
ويشكو أبو راشد الذي يقول إنه عاطل عن العمل منذ عامين «من عدم تعويض أي جهة رسمية لعائلته عن خسارتها جراء تدمير منزلها أو حتى القدوم إلى المنطقة لمعاينة الأضرار». وكلف الرجل بناء الكوخ الخشبي مبلغ 1500 دولار.
وهو يقارن بين كوخه الخشبي وكرافانات حديدية أقامتها مؤسسات دولية لبعض أصحاب المنازل المدمرة بمساحة 35 متراً بشكل مؤقت إلى حين إعادة بناء منازلهم. ويقول «سكان الكرفانات الحديدية عانوا من دخول مياه الأمطار لكن الأكواخ الخشبية بفضل تغليفها بالنايلون المقوى تقي سكانها من الأمطار إضافة إلى أنها باردة صيفا ودافئة شتاء». من جهته يشدد المسؤول في الغرفة التجارية في غزة ماهر الطباع لـ (د.ب.أ)، على أن تشييد منازل للنازحين سواء من الحديد أو الخشب هي عبارة عن حلول مؤقتة لا تفي بأدنى احتياجات إعادة الإعمار.
ويشير الطباع إلى أن اللجوء لهذا حلول مؤقتة جاء للتغلب أساساً على استمرار إسرائيل في تقييد توريد مواد البناء وهو الشرط الأساسي لتحسن وتيرة إعادة الإعمار وتعويض من دمرت منازلهم بأخرى توفر لهم المأوى.
ويوضح أن إجمالي ما سمحت إسرائيل بتوريده من إسمنت لإعادة إعمار قطاع غزة لم يتجاوز 20 ألف طن خلال 6 أشهر من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنته مصر في 26 أغسطس الماضي.
وأوضح الطباع أن هذه الكمية تساوي احتياج قطاع غزة ليومين من مادة الإسمنت وتم توزيع تلك الكميات على أصحاب المنازل المتضررة بشكل طفيف وفق آلية «الكوبونة» مدفوعة الثمن وهو ما يجمد إعادة إعمار حقيقي حتى إشعار آخر. وحظرت إسرائيل توريد مواد بناء إلى قطاع غزة المكتظ بأكثر من مليون و800 ألف نسمة منذ فرضها حصاراً مشدداً على القطاع منتصف العام 2007 إثر سيطرة حركة «حماس» عليه بالقوة.
وحذرت حماس مراراً من أن استمرار تعطيل إعادة إعمار قطاع غزة سيكون «صاعق تفجير جديد» للأوضاع في القطاع.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -