سياسة الاحتلال تحرم فلسطين "منحة النفط"

سياسة الاحتلال تحرم فلسطين "منحة النفط"
 غزة ورام الله _ عبد الرحمن الطهراوي ومحمد الرجوب
رغم التراجع الحاد في أسعار النفط الخام في الأسواق الدولية، بنسبة تقترب من 60% خلال الأشهر الماضية، إلا أنّ المواطن العادي في فلسطين، لم يلمس تداعيات إيجابية لذلك الانخفاض على أسعار الوقود ومشتقاته أو على مستوى أسعار المواد الغذائية وأجرة النقل والمواصلات.
ولا تزال مادتا البنزين والسولار، الأكثر استهلاكاً، مرتفعة السعر في الأراضي الفلسطينية،
التي تعتمد على الأسواق الإسرائيلية في تحديد أسعار المحروقات، إذ انخفضت الأسعار لدى الاحتلال الإسرائيلي بنسبة لا تتجاوز 15%.
ووصل سعر لتر البنزين، في الأراضي الفلسطينية، إلى 6.3 شيكلات (1.61 دولار)، أما سعر لتر السولار فوصل إلى 5.61 شيكلات (1.43 دولار)، وذلك للمرة الأولى منذ العام 2010، وهي مستويات تعتبر الأعلى عالمياً حتى الآن.

وانتقد مختصون اقتصاديون، في حديثهم لـ "العربي الجديد"، نسبة الانخفاض الطفيفة في أسعار المحروقات في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية، وقطاع غزة)، مشيرين في ذات الوقت إلى علاقة الأمر بتبعية الأراضي الفلسطينية في أسعار الوقود للجانب الإسرائيلي.
ويقول مسؤول العلاقات العامة والإعلام في الغرفة التجارية في غزة، ماهر الطباع، "رغم تهاوي سعر النفط الخام من 115 دولاراً للبرميل في يونيو/حزيران الماضي إلى متوسط سعر 50 دولاراً للبرميل في الشهر الجاري، لم تسجل أسعار المحروقات في الأراضي الفلسطينية تراجعاً بأكثر من 60 أغورة (الشيكل 100 أغورة)".
ويوضح الخبير الاقتصادي، لـ "العربي الجديد"، أنّ "البعض أرجع عدم انخفاض أسعار الوقود محلياً إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الشيكل الإسرائيلي، ولكن من المفترض أن يكون التأثير معادلاً لنسبة ارتفاع الدولار على الشيكل وهي 15%، ما يعني أن الاحتلال كان يتوجب عليه خفض أسعار المحروقات 45% على الأقل، وليس 15% فقط كما هو الحال".

ويشير الطباع، إلى أنّ انخفاض أسعار الوقود عالميا، لا بد أنّ يؤثر إيجابياً على أسعار مواد أخرى ذات علاقة، مثل المواد التموينية، وأسعار الطاقة، وكذلك مواد البناء ومستلزماته، مما يساهم في تسريع حركة إعمار قطاع غزة، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي.

ويربط الطباع بين قضية عدم انخفاض أسعار مشتقات الوقود، وبين اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة عام 1994 بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، والتي ربطت الاقتصاد الفلسطيني الضعيف ذا النمو المحدود مع الاقتصاد الإسرائيلي القوي الصاعد نحو العالمية.
وتنص الاتفاقيات الاقتصادية ما بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على فرض الجانبين قيماً متقاربة من الضرائب والجمارك على المحروقات، وهو ما جعل الأسعار لديهما متساوية مع فروقات بسيطة، برغم الفارق الهائل في معدل دخل الفرد في الجانبين.
وارتفعت قيمة الحد الأدنى للأجور لدى الاحتلال مع مطلع العام الجديد، من 4300 شيكل (1085 دولاراً) إلى 5000 شيكل (1260 دولاراً)، بالمقابل لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور في الأراضي الفلسطينية 1450 شيكلاً (365 دولاراً) وهو غير مطبق في أغلب الأحيان، الأمر الذي يجعل المستهلك الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، المتضرر الأكبر، كونه أدنى دخلاً.
ويرى المحلل الاقتصادي، عمر شعبان، أنّ عدم حدوث تغييرات كبيرة في أسعار الوقود بالأسواق المحلية الفلسطينية على إثر التغييرات في الأسواق العالمية، نتيجة طبيعية لحالة الربط التام بين الاقتصاد الفلسطيني الخاضع للاحتلال، وبين الاقتصاد الإسرائيلي الذي يمتلك عوامل القوة.
ويقول شعبان، لـ "العربي الجديد"، إنّ عدم وجود بنك مركزي فلسطيني وعملة وطنية، وكذلك عدم وجود علاقات اقتصادية مفتوحة مع الدول الأخرى، حرم المواطن الفلسطيني من الاستفادة من انخفاض أسعار الوقود في الأسواق العالمية، وما يترتب عليه من انخفاض التكلفة الإنتاجية لبعض القطاعات الاقتصادية.
ويشير شعبان، إلى أنّ الحالة السابقة، يجب أن تعالج، عبر تمكين الاقتصاد الفلسطيني، وتسهيل عقد الاتفاقيات التجارية الفلسطينية مع الدول المختلفة، بجانب مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي بما يكلف إعطاء الحرية للاقتصاد الفلسطيني، دون الاعتماد
على الشركات الإسرائيلية، التي تبحث عن مصلحتها أولا.
ويبلغ الاستهلاك اليومي لمادتي البنزين والسولار في قطاع غزة نحو مليون و100 ألف لتر، وترتبط كمية الاستهلاك بمستوى النشاط الاقتصادي الداخلي، شبه المتوقف حالياً نتيجة للحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، منذ ثماني سنوات، واستمرار إغلاق المعابر الحدودية بعد العدوان الأخير على القطاع صيف العام الماضي، بينما تستورد محافظات الضفة الغربية من إسرائيل نحو 70 مليون لتر من الوقود شهرياً تبلغ قيمتها السوقية 100 مليون دولار.
 وتعد المحروقات أهم مصدر لإيرادات الحكومة الفلسطينية، حيث وفّرت لخزانة السلدة العام الماضي نحو 2.45 مليار شيكل (628 مليون دولار).
 وتصل قيمة الضرائب والجمارك على الوقود إلى 48% من قيمة السعر النهائي للمستهلك.
ويرى الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم أن تداول المحروقات في فلسطين يتم في أسواق غير متكافئة، "إذ لا تصل المنتجات إلى المستهلك النهائي بسهولة، فنحن أمام مصدر واحد يحتكر النفط (إسرائيل) هو من يستورده ويكرره، ومن ثم يبيعه لنا بالسعر الذي يحدده هو".
ويضيف عبد الكريم، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن المستهلك الفلسطيني يدفع بالإضافة إلى الثمن الأصلي للمحروقات ما نسبته 48% من الضرائب والجمارك التي تذهب إلى ميزانية الحكومة، و4% تكاليف تشغيلية في حين تشكل النسبة المتبقية السعر الأصلي لشراء المحروقات.
ويقول مدير الهيئة العامة للبترول في السلطة الفلسطينية فؤاد الشوبكي، إن الغلاف الجمركي الموحد هو السبب الذي يمنع ترجمة الانخفاض العالمي في البترول محلياً. وأضاف: "الانخفاض الذي تم في إسرائيل هو الذي انعكس عندنا".
ويأتي التقارب في أسعار المحروقات على المستهلك الفلسطيني والمستهلك الإسرائيلي، بينما تفيد الأرقام الإحصائية في الجانبين أن معدل دخل الفرد الإسرائيلي كان 32 ألف دولار عام 2013 مقابل، 2100 دولار للفلسطيني في السنة ذاتها.
ويرى نائب رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطينية، محمد شاهين، أن الاستمرار في معادلة الغلاف الجمركي الموحد أمر "مستحيل"، في ظل الفرق الكبير بين الحد الأدنى للأجور لدى الجانبين، والذي تجاوز ثلاثة أضعاف ونصف لصالح الإسرائيليين.
ويتابع شاهين "حددت الحكومة الفلسطينية الحد الأدنى للأجور بنحو 1450 شيكلاً (370 دولاراً) لكنه بقي دون تطبيق بحيث يتقاضى 100 ألف عامل فلسطيني أجورا شهرية دون هذا الرقم". ويضيف: "المنطقي أن تنخفض المحروقات بنسبة لا تقل عن 45%".
وطالب في تصريح لـ "العربي الجديد" بمعادلة تربط ما بين الدخل والإنفاق "في ضوء غياب فرصة تخفيض الأسعار واستمرار التذرع بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل".
ويقول نصر عيطاني، المدير العام لاتحاد الصناعات الغذائية الفلسطينية، إن الانخفاض على سعر السولار الصناعي لا يتيح تخفيض أسعار المنتجات نظرا لمحدوديته من ناحية، وثبات أسعار مدخلات الإنتاج من ناحية أخرى.
وطالب الحكومة الفلسطينية بسياسة تميز بين سعر السولار المُباع للمستهلك الفرد، والمخصص للقطاعين الزراعي والصناعي لأن "تخفيض الجمارك على الوقود يؤدي إلى تراجع أسعار المنتجات المحلية وتعزيز تنافسيتها مع نظيرتها المستوردة".
ومن المقرر أن تقوم وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية بإعادة تقييم تعرفة المواصلات العامة خلال فبراير/شباط الجاري؛ لفحص إمكانية تخفيها في ضوء التراجع الذي حصل في أسعار
المحروقات.
في المقابل، قال عضو نقابة عمال النقل، محمد سرحان، إن السائقين لن يقبلوا بتخفيض تعرفة المواصلات قبل أن يحصل تراجع آخر في أسعار المحروقات.
ورأى في حديثه لـ "العربي الجديد" أن تعرفة المواصلات الحالية لم تتغير منذ 3 سنوات و"بالتالي فإن التراجع الذي حصل حتى الآن على المحروقات يذهب لتعويض 40 ألف سائق في الضفة الغربية عن غلاء المعيشة خلال هذه الفترة".
وتعد إسرائيل المورد الوحيد للوقود بمختلف أنواعه إلى الأراضي الفلسطينية منذ عقود، حيث يمنع على أي جهة فلسطينية استيراد الوقود من الخارج، إلا إذا كان مطابقاً للمواصفات والمقاييس الإسرائيلية، بحسب بروتوكول باريس الاقتصادي المنظم للعلاقة الاقتصادية بين الجانبين.
وقال نائب رئيس نقابة أصحاب محطات الوقود في الأراضي الفلسطينية، نزار الجعبري، في تصريحات سابقة، إن قيمة مشتريات الفلسطينيين السنوية من الوقود، تبلغ نحو 1.15 مليار دولار لكل من الضفة والقطاع.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -