رمضان في غزة.. ظروف صعبة مع تعثر الإعمار

رمضان في غزة.. ظروف صعبة مع تعثر الإعمار
د ب ا

يفترش المسن الفلسطيني خليل عاشور مع عائلته الأرض حول مائدة إفطار على مقربة من ركام متناثر من بقايا منزلهم ما ينغص عليهم فرحتهم بحلول شهر رمضان الفضيل. ودمر منزل عاشور في حي «الزيتون» شرقي مدينة غزة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف العام الماضي ما حوّله وعائلته المكونة من 9 أفراد إلى نازحين قبل أن يتمكنوا قبل شهرين من ترميم أجزاء من المنزل للإقامة مؤقتاً بداخله. ويقول عاشور، في منتصف الخمسينيات من عمره، إن الإقامة داخل غرفتين من بقايا المنزل المدمر أفضل له وعائلته من استقبال شهر رمضان داخل مدرسة للنازحين كانوا أقاموا فيها لـ8 أشهر.
ويوضح عاشور أنه استغل صرف مخصصات بدل إيجار له من الأمم المتحدة من أجل ترميم أجزاء من المنزل للإقامة فيه على أمل أن يكون إعادة بناء المنزل قريباً ولا يبقى حلماً بعيد المنال كما هو الحال حالياً.واستهدف منزل عاشور جراء غارة إسرائيلية في 25 من شهر رمضان الماضي وبدا الأصعب عليه وعائلته استقبال شهر رمضان لهذا العام على مقربة من ركام الدمار.
ولجأ هذا المسن إلى إضاءة «فانوس رمضان» على جزء من أنقاض المنزل بعد تسلمه كهدية من إحدى المؤسسات المحلية على أمل تخفيف الحزن لدى العائلة بعدم إعادة بناء منزلهم كاملا حتى الآن.
ويشير عاشور إلى أن كل عائلة تتجمع عند تناول وجبتي السحور والفطور غير أن مشهد الركام يبقى مبعثاً لخيبة الأمل لديهم في تعويضهم قريباً عن خسائرهم.
ولوحظ قيام عدد آخر من أصحاب المنازل المدمرة في عدة أحياء مجاورة بتعليق فوانيس رمضانية على أنقاض منازلهم أو على أسلاك وأعمدة خرسانية تحدياً لواقع الدمار المنتشر فيها.
ويقول علاء عليوة، في مطلع الأربعينيات من عمره: إن مجموعة «فوانيس رمضان» التي علقها المتضررون على أنقاض منازلهم تقليد رمضاني جديد يعبر عن احتفالهم بشهر رمضان فوق الدمار والخراب.
ويضيف عليوة أن هذا هو شهر رمضان الأول الذي يقضيه المتضررون بعد تدمير منازلهم في العدوان الإسرائيلي الأخير علماً بأنهم كانوا قضوا معظم أيام رمضان الفائت في مراكز الإيواء وهو ما يزيد حزنهم على واقعهم.
وكان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بدأ في اليوم العاشر من شهر رمضان للعام الماضي وتسبب بتهجير عشرات آلاف العائلات إلى مدارس تابعة للأمم المتحدة.
وعندما توقف العدوان الإسرائيلي لم تجد آلاف من تلك العائلات سوى ركام منزلها المدمرة بين كلياً وجزئياً بانتظارها لتعود أدراجها إلى مدرسة النازحين.
وتعهدت الدول المانحة خلال مؤتمر دولي عقد في مصر في أكتوبر الماضي بجمع مبلغ 5.4 مليار دولار لصالح الفلسطينيين يخصص نصفه لإعادة إعمار قطاع غزة.
غير أن منظمات فلسطينية ودولية تؤكد أن وتيرة إعادة إعمار قطاع غزة ضعيفة جداً واقتصرت حتى الآن على ترميم المنازل المتضررة جزئياً فيما لم يتم الشروع بإعادة تلك المدمرة كلياً رغم الوعود المتكررة بذلك. وتعزو تلك المنظمات تعثر الإعمار إلى شح التمويل الدولي والخلافات الفلسطينية الداخلية عوضاً عن قيود إسرائيل على حركة توريد مواد البناء اللازمة للإعمار.
ويقيم عشرات آلاف ممن دمرت منازلهم داخل كرفانات حديدية وزعت عليهم كملجأ مؤقت للإقامة فيه بجانب أنقاض منازلهم المدمرة خاصة في الأطراف الحدودية لقطاع غزة.
وتترك الإقامة داخل الكرفان الذي لا تتجاوز مساحته 35 متراً مربعاً، آثارها السلبية على عائلة أنور قديح مع حلول شهر رمضان خاصة أنه يتوسط فصل الصيف لهذا لعام.
ويصف قديح الذي يعيل أسرة مكونة من 11 فرداً أوضاعهم بالبائسة والصعبة، مشيراً إلى أنه يشفق على نفسه وأطفاله قضاء نهار رمضان في ظل ارتفاع درجات الحرارة تحت صفيح ساخن.
ويقول «بعد أن فقدنا منزلنا تم تركنا هنا نواجه الطبيعة باللحم الحي ولذلك لا نشعر بأي فرحة بقدوم شهر رمضان سوى داخل منزلنا كما بقية البشر وليس في كرافان من حديد».
وترك تعثر إعادة إعمار قطاع غزة واستمرار الحصار الإسرائيلي عليه تداعياته السلبية على حلول شهر رمضان بالنسبة لسكان القطاع الذين يتجاوز عددهم مليون و750 ألف نسمة.
وطغت أجواء الركود على الحركة التجارية في الأسواق المحلية منذ بداية شهر رمضان رغم تنافس التجار على الإعلان عن حملات لتخفيض الأسعار أملا في جذب المتسوقين. ويقول المسؤول في الغرفة التجارية في غزة ماهر الطباع إن قطاع غزة يعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة لم يسبق لها مثيل بفعل آثار العدوان الإسرائيلي الأخير من جهة واستمرار الحصار الإسرائيلي للعام التاسع من جهة أخرى.
ويشير الطباع إلى أن «استمرار وتشديد الحصار ومنع دخول كافة احتياجات قطاع غزة من السلع والبضائع المختلفة وأهمها مواد البناء التي تعتبر المشغل الرئيسي للعجلة الاقتصادية يضاعف تدهور الأوضاع الاقتصادية».
ويلفت إلى ارتفاع معدلات البطالة في صفوف سكان قطاع غزة إلى نحو %50 فيما ما يزيد على مليون شخص في القطاع دون دخل يومي وهذا يشكل %60 من إجمالي السكان ما تسبب بارتفاع نسبة الفقر لتصل إلى %39.
وينبه الطباع إلى أن هذا الوضع انعكس على الأنشطة التجارية مع حلول شهر رمضان ومعاناة الأسواق المحلية من كساد وركود بسبب ضعف المبيعات والقدرة الشرائية لدى المتسوقين.
غير أن الركود الحاصل في أسواق غزة لا يمنع بروز أنماط استهلاكية جديدة لدى سكان القطاع الساحلي بدأت تخرج عن عادات وتقاليد شهر رمضان فيما مضى، خاصة مع افتتاح عدد من المراكز التجارية الكبيرة بما تشمله من بضائع مستوردة وجديدة.
وبدأت مستلزمات رمضان من أجبان وتمور وألبان إلى جانب الحلويات الجاهزة الشرقية والغربية وحتى المغربية والشامية تنافس البضائع التقليدية بطريقة عرضها وطعمها وإقبال المتسوقين عليها.
ويعتبر الطباع أن بروز أنماط استهلاكية لدى سكان غزة في المناسبات المختلفة قد يبرز مؤشرات جيدة على الانتعاش الاقتصادي لكنها سرعان ما تتراجع بسبب اقتصارها على فئات محدودة من المجتمع. وإلى جانب الأعباء الاقتصادية تبقى الضغوط النفسية حاضرة لدى سكان غزة مع استمرار أزمات تعطل ملف المصالحة الداخلية، وانقطاع التيار الكهربائي والمياه بشكل يزيد من حدة الأجواء الصعبة رغم مناسبة شهر رمضان السعيدة.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -